-
حالة احتقان.. السلم الأهلي في سوريا على صفيح ساخن

تعيش سوريا في ظل حكومة جديدة تثير جدلاً واسعًا وتتصاعد معها أصوات الغضب الشعبي، خاصة بين من اعتبروا أنفسهم "أبناء الثورة" وذوي الضحايا والمفقودين. تتزايد مخاوف من انفجار اجتماعي وشيك، وسط حالة من الاستنكار الشديد إزاء إطلاق سراح أفراد من نظام الأسد، دون محاكمات أو محاسبة، واستمرار الإفراج عن مجرمين ومتورطين بدماء الشعب السوري.
وفي الأشهر الماضية، ومع تفعيل سياسة المصالحة التي تنتهجها السلطة، برز ما يُعرف بـ"السلم الأهلي"، خاصة بعد مجازر الساحل في مارس الماضي، التي جاءت كرد فعل على هجمات فلول النظام. إلا أن هذا السلم بدأ يتجه نحو تصعيد داخلي، مع تصدير شخصيات محسوبة على النظام وعودة عناصر متورطة بجرائم ضد الشعب، إلى الواجهة، وتكرار إفراجات من سجون النظام من دون محاسبة.
وفي حين أن عددًا محدودًا من المعتقلين والمفقودين ظلوا في السجون، مع هروب كبار الضباط والمجرمين، وصدمة عميقة ألَمَّت بمئات الآلاف من عائلاتهم التي تجهل مصير أبنائها، تصاعدت الأصوات المطالبة بـ"العدالة الانتقالية" لضمان إنصاف الضحايا وتحقيق محاسبة عادلة، كما هو معتاد في مختلف دول العالم التي تمر بمرحلة انتقالية بعد الحروب.
لكن ما يحدث حالياً، وفق ما يجمع عليه أغلب أبناء الثورة، يثير الاستياء ويزيد من الشعور بالإحباط، حيث تتزايد الإفراجات عن مجرمي الحرب ومتورطين في الدماء، مقابل شعور بارتكاب مجازفة واضحة في إزاء المسار الصحيح، خاصة مع ظهور شخصيات معروفة بمشاركتها بدماء السوريين، تروج حالياً لخطط "السلم الأهلي" وتتلقى حماية أمنية، فيما يتواصل استدعاء وتجديد غموض ملفات الكثير من المجرمين.
وظهور شخصيات مثيرة للجدل مثل "فادي صقر" وغيرها من عناصر النظام السابق، إلى جانب عودة كبار التجار ومجرمي الحرب المعروفين، يفاقم من حالة الاستفزاز الشعبي، خاصة مع استمرار غياب المحاسبة وغياب آليات واضحة لمعاقبة المجرمين، مما يؤدي إلى تصاعد موجات غضب فردية وعمليات انتقامية في مناطق مثل حلب ودمشق واللاذقية وطرطوس، بما يعمق ظاهرة الفوضى وانتشار الجريمة.
وفي سياق متصل، حذرت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" من أن الصلاحيات المحدودة الممنوحة للهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية تعرقل فرص إنصاف الضحايا، داعية الحكومة السورية إلى توسيع المشاركة المجتمعية وشفافية الإجراءات، لضمان مصداقية المسار القضائي والعدلي.
أما "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فقد نشرت تقريرًا يوصي بإجراء إصلاحات قانونية لتمكين الهيئة من العمل بشكل مستقل، محذرة من الاعتمادات التنفيذية التي قد تضعف من فعالية الهيئة، مشيرة إلى تجارب دولية تدل على أن القرارات التنفيذية غالباً ما تكون أقل شرعية وفعالية من تلك التي تصدر بواسطة القوانين.
وفيما أصدرت دمشق قانونين لإنشاء هيئة العدالة الانتقالية والمفقودين، برعاية الرئيس أحمد الشرع، لفتح الملفات المتعلقة بانتهاكات الماضي، فإن المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية يراقبون عن كثب، حيث تواصل الساحة السورية حالة من الاستياء العميق، مع تنامي مخاوف من انفجار اجتماعي إذا لم تتغير السياسات وتتوقف عمليات الإفراج الانتقائية وغياب العدالة.
وفي خضم ذلك، يؤكد الشارع السوري أن نسيان العدالة ومحاسبة المجرمين، بشكل عادل وشفاف، يهدد بتمديد دائرة الانقسامات والتوترات، ويجعل من مسألة المصالحة حُلمًا بعيد المنال، ما لم تُوضع حقوق الشعب ودماؤه في مقدمة الأولويات الوطنية.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!